أصدر مجلس الوزراء قرارًا مفاجئا رفع فيه رسوم المحاكم النظامية موجها ضربة جديدة للمواطن الذي يشكو ارتفاعًا متصاعدًا في أسعار السلع، لتأتيه الضربة هذه المرة من الحكومة على شكل قرار يؤكد الخبراء أنه يشكل تهديدًا للسلم الأهلي.
قرار تعديل جدول رسوم المحاكم النظامية الذي أقره مجلس الوزراء بتنسيب من رئيس مجلس القضاء الأعلى، جاء “بناء على مقتضيات المصلحة العامة” وفق ما جاء في ديباجة القرار الصادر في العشرين من يونيو الجاري.
وينطوي قرار التعديل على زيادة الرسوم بشكل كبير وغير مسبوق يصل في بعض القضايا إلى ٥٠٠ %.
وكمثال على ذلك، كانت رسوم الدعوى العادية أمام محاكم البداية 1% من قيمة الدعوى على ألا يقل عن 30 دينارا ولا يزيد عن 500 دينار كحد أقصى، وأصبحت بعد التعديل 1% من قيمة الدعوى لأول 100 ألف دينار و50% عما زاد عن ذلك، على ألا يزيد عن 2500 دينار.
وفي القضايا التنفيذية (تحصيل الشيكات وتنفيذ الأحكام)، كانت الرسوم 1% من قيمة المبلغ المحكوم بها على ألا يزيد عن 50 دينارا في القضايا الصلحية و500 دينار في القضايا البدائية.
وأصبحت بعد التعديل 1% من قيمة المبلغ المحكوم به على ألا يزيد عن 100 دينار في القضايا الصلحية و2500 دينار في القضايا البدائية.
وطالت الزيادة كذلك أسعار طوابع وكالة المحامي ورسوم التصريح المشفوع بالقسم، فارتفعت من دينار واحد إلى 5 دنانير.
وأثار القرار احتجاجا واسعا لا سيما من قطاع المحامين الذين حذروا من تبعاته وآثاره السلبية.
ويؤكد المحامي محمد سقف الحيط أن هذا التعديل يجعل حق التقاضي مكلفا جدا للمواطن ويزيد المصاريف التشغيلية للدعوى بشكل مرهق للغاية.
وقال لوكالة “صفا” أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى عزوف الناس عن اللجوء إلى المحاكم، ما يعني زيادة جرائم استيفاء الحق بالذات وتهديد السلم الأهلي.
وبين أن هذه الرسوم سيتحملها المواطن صاحب الدعوى، فالمحامون كانوا سابقا يتحملون بعض الرسوم الزهيدة عن موكليهم، لكن عندما ارتفعت الرسوم فلن يتحملها المحامي.
ويرفض سقف الحيط ربط زيادة الرسوم بمحاولة تخفيف الضغط على المحاكم.
وأوضح أن ذلك مخالف للقانون، لأن من حق المواطن أن يلجأ للقضاء وفق الأسس الدولية لحقوق الإنسان ومبادئ استقلال القضاء التي من أهم شروطها مجانية القضاء.
وبعد تهديدات من نقابة المحامين ببدء خطوات احتجاجية، وعد وزير العدل خلال اجتماعه مع مجلس نقابة المحامين ومدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بسحب القرار في اجتماع مجلس الوزراء الاثنين.
نائب نقيب المحامين سعد سليم قال لوكالة “صفا” أنه تم الاتفاق مع وزير العدل على وقف سريان القرار في جلسة مجلس الوزراء.
وأضاف: “طالبنا بإلغاء هذا القرار، والوزير وعد بوقفه وإعادة دراسته وتقييمه”.
وأوضح أن الرسوم الجديدة مبالغ فيها، وفيها تميز بين الناس في الحصول على حق التقاضي بناء على المقدرة المادية.
وأكد أن القرار جاء بشكل مفاجئ ولم يتم التشاور مع نقابة المحامين باعتبارها جزء من أركان العدالة.
ولفت إلى أن مجلس الوزراء ناقش في العام 2015 مثل هذا التعديل، لكنه امتنع عن إقراره بفعل تحرك نقابة المحامين في حينه.
واعتبر أن مثل هذا القرار بحاجة لدراسة متأنية لأنه يأتي في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية سيئة، وفي ظل عدم وجود مجلس تشريعي ينبغي أن يتم مناقشة أي تعديلات أو قوانين مع مؤسسات المجتمع المدني ومنها نقابة المحامين.
وأكد أن هذا القرار لا ينعكس بشكل مباشر على المحامين، لكن نقابة المحامين عليها واجب مجتمعي نص عليه القانون في الدفاع عن استقلال القضاء والحريات العامة.